الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن
.ومن باب الرجل يتكنى وليس له ولد: قال الشيخ: النغر طائر صغير ويجمع على النغران وأنشدني أبو عمر: وفيه من الفقه أن صيد المدينة مباح، وفيه إباحة السجع في الكلام. وفيه جواز الدعابة ما لم يكن آثمًا. وفيه إباحة تصغير الأسماء. وفيه أنه كناه ولم يكن له ولد فلم يدخل في باب الكذب. وقوله يلعب به أي يتلهى بحبسه وإمساكه. .ومن باب الرجل يقول زعموا: قال الشيخ: أصل هذا أن الرجل إذا أراد الظعن في حاجة والمسير إلى بلد ركب مطيته وسار حتى يبلغ حاجته فشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدمه الرجل أمام كلامه ويتوصل به إلى حاجته من قولهم زعموا بالمطية التي يتوصل بها إلى الموضع الذي يؤمه ويقصده، وإنما يقال زعموا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه وإنما هو شيء يحكى عن الألسن على سبيل البلاغ فذم صلى الله عليه وسلم من الحديث ما كان هذا سبيله وأمر بالثبت فيه والتوثق لما يحكيه من ذلك فلا يرويه حتى يكون معزيًا إلى ثبت ومرويًا عن ثقة وقد قيل الراوية أحد الكاذبين. .ومن باب في حفظ المنطق: قال الشيخ: إنما نهاهم عن تسمية هذه الشجرة كرمًا لأن هذا الاسم عندهم مشتق من الكرم، والعرب يقول رجل كرم بمعنى كريم وقوم كرم أي كرام ومنه قول الشاعر: ثم تسكن الراء منه فيقال كرم فأشفق صلى الله عليه وسلم أن يدعوهم حسن اسمها إلى شرب الخمر المتخذة من ثمرها فسلبها هذا الاسم وجعله صفة للمسلم الذي يتوقى شربها ويمنع نفسه الشهوة فيها عزة وتكرمًا، وقد ذكرت هذا في كتاب غريب الحديث وأشبعت شرحه هناك. .ومن باب لا يقال خبثت نفسي: قال الشيخ: قوله: «لقست نفسي» و«خبثت» معناهما واحد وإنما كره من ذلك لفظ الخبث وبشاعة الاسم منه وعلمهم الأدب في المنطق وأرشدهم إلى استعمال الحسن وهجران القبيح منه. قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان بن سعيد حدثني عبد العزيز بن رفيع عن تميم الطائي عن عدي بن حاتم «أن خطيبًا خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يطع الله ورسوله ومن يعصهما فقال قم أو قال اذهب فبئس الخطيب أنت». قال الشيخ: إنما كره من ذلك الجمع بين الاسمين تحت حرفي الكناية لما فيه من التسوية. قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا شعبة عن منصور عن عبد الله بن بشار عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان». قال الشيخ: فهذا قريب المعنى من الأول وذلك أن الواو حرف الجمع والتشريك وثم حرف النسق بشرط التراخي فأرشدهم إلى الأدب في تقديم مشيئة الله سبحانه على مشيئة من سواه. قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن سهيل بن صالح، عَن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم». قال الشيخ: معنى هذا الكلام أن لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول قد فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك من الكلام يقول صلى الله عليه وسلم إذا فعل الرجل ذلك فهو أهلكهم وأسوأهم حالًا مما يلحقه من الإثم في عيبهم والإزراء بهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه فيرى أن له فضلًا عليهم وأنه خير منهم فيهلك. .ومن باب في صلاة العتمة: قال الشيخ: قوله: «يعتمون» معناه يؤخرون حلب الإبل ويسمون الصلاة باسم وقت الحلاب، ويقال فلان عاتم القرى إذا كان إذا نزل به الأضياف لم يعجل قراهم. قال أبو داود: حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا شعبة عن قتادة عن أنس قال: «كان فزع بالمدينة فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا لأبي طلحة، فقال ما رأينا شيئًا أو ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحرًا». قال الشيخ: في هذا إباحة التوسع في الكلام وتشبيه الشيء بالشيء الذي له تعلق ببعض معانيه وإن لم يستوف أوصافه كلها. وقال إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي إنما شبه الفرس بالبحر لأنه أراد أن جريه كجري ماء البحر أو لأنه أراد أن جريه كجري ماء البحر أو لأنه يسبح في جريه كالبحر إذا ماج فعلا بعض مائه فوق بعض. قلت: ويقال في نعوت الفرس بحر وحت وسكب إذا كان واسع الجري قاله الأصمعي. .ومن باب التشديد في الكذب: قال الشيخ: هذا تأويل قوله سبحانه: {إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم} [الانفطار: 14]. وأصل الفجور الميل عن الصدق والانحراف إلى الكذب، ومنه قول الأعرابي في عمر بن الخطاب رضي الله عنه. يريد إن كان مال عن الصدق فيما قاله. .ومن باب في حسن الظن: قال الشيخ: فيه من العلم استحباب أن يتحرز الإنسان من كل أمر من المكروه مما تجري به الظنون ويخطر بالقلوب وأن يطلب السلامة من الناس بإظهار البراءة من الريب. ويحكى عن الشافعي رحمه الله في هذا أنه قال خاف النبي صلى الله عليه وسلم أن يقع في قلوبهما شيء من أمره فيكفرا وإنما قال ذلك لهما شفقة عليهما لا على نفسه. .ومن باب من تشبع بما لم يُعط: قال الشيخ: العرب تسمي امرأة الرجل جارته وتدعو الزوجتين الضرتين جارتين وذلك لقرب أشخاصهما كالجارتين المتصاقبتين في الدارين تسكنانهما، ومن هذا قول الأعشى لامرأته: ومن هذا النحو قول امرئ القيس: وقوله كلابس ثوبي زور يتأول على وجهين أحدهما أن الثوبين هاهنا كأنه كناية عن حاله ومذهبه، وقد تكني العرب بالثوب عن حال لابسه وعن طريقه ومذهبه كقول الشاعر: والمعنى أن المتشبع بما لم يعط بمنزلة الكاذب القائل ما لم يكن. والوجه الآخر ما يروى عن فلان أنه كان يكون في الحي الرجل له هيئة ونبل فإذا احتيج إلى شهادة زور شهد بها فلا يرد من أجل نبله وحسن ثوبيه فأضيف الشهادة إلى ثوبيه إذ كانا سبب جوازها ورواجها. .ومن باب في المزاج: قال الشيخ: كان مزح النبي صلى الله عليه وسلم مزحًا لا يدخله الكذب والتزيد وكل إنسان له أذنان فهو صادق في وصفه إياه بذلك. وقد يحتمل وجهًا آخر وهو أن لا يكون قصد بهذا القول المزاح وإنما معناه الحض والتنبيه على حسن الاستماع والتلقف لما يقوله ويعلمه إياه، وسماه ذا الأذنين إذ كان الاستماع إنما يكون بحاسة الأذن، وقد خلق الله تعالى له أذنين يسمع بكل واحدة منهما وجعلهما حجة عليه فلا يعذر معهما إن أغفل الاستماع له ولم يحسن الوعي له والله أعلم. قال أبو داود: حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن ابن أبي ذئب عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يأخذن أحدكم متاع أخيه لاعبًا جادًا». قال الشيخ: معناه أن يأخذه على وجه الهزل وسبيل المزح ثم يحبسه عنه ولا يرده فيصير ذلك جدًا. .ومن باب تعليم الخطب: قال الشيخ: صرف الكلام فضله وما يتكلفه الإنسان من الزيادة فيه من وراء الحاجة ومن هذا سمي الفضل بين النقدين صرفًا. وإنما كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما يدخله من الرياء والتصنع ولما يخالطه من الكذب والتزيد وأمر صلى الله عليه وسلم أن يكون الكلام قصدًا تلو الحاجة غير زائد عليها يوافق ظاهره باطنه وسره علنه. .ومن باب في الشعر: قال الشيخ: اختلف الناس في هذا وفي تأويله فقال بعضهم وجهه أنه ذم التصنع في الكلام والتكلف لتحسينه وتزويقه ليروق السامعين قوله ويستميل به قلوبهم فيحيل الشيء عن ظاهره ويزيله عن موضوعه إرادة التلبيس عليهم فيصير ذلك بمنزلة السحر الذي هو أو نوع منه تخييل لما لا حقيقة له وتوهيم لما ليس له محصول والسحر منه مذموم وكذلك المشبه به. وقال آخرون بل القصد به مدح البيان والحث على تخير الألفاظ والتأنق في الكلام. واحتج لذلك بقوله: «إن من الشعر لحكمًا» وذلك ما لا ريب فيه أنه على طريق المدح له وكذلك مصراعه الذي بإزائه لأن عادة البيان غالبًا أن القرينين نظمًا لا يفترقان حكمًا. وروي عن عمر بن عبد العزيز أن رجلًا طلب إليه حاجة كان يتعذر عليه إسعافه بها فرقق له الكلام فيها حتى استمال به قلبه فأنجزها له ثم قال هذا هو السحر الحلال. قال أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا سعيد بن محمد حدثنا أبو تميلة حدثنا أبو جعفر النحوي عبد الله بن ثابت حدثني صخر بن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن من البيان سحرًا وإن من العلم جهلًا، وإن من الشعر حُكْمًا، وإن من القول عيالًا». فقال صعصعة بن صوحان صدق نبي الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ: أما قوله: «إن من البيان سحرًا» فالرجل يكون عليه الحق وهو ألحن بحجته من صاحب الحق فيسحر القوم ببيانه فيذهب بالحق. وأما قوله: «إن من العلم جهلًا» فيتكلف العالم إلى علمه ما لا يعلم فيجهله ذلك. وأما قوله: «إن من الشعر حُكْمًا» فهي هذه المواعظ والأمثال التي يتعظ بها الناس. وأما قوله: «إن من القول عيالًا» فعرض كلامك أو حديثك على من ليس من شأنه ولا يريده. قلت: هكذا رواه أبو داود من القول عيالًا ورواه غيره أن من القول عَيَلًا هكذا ذكره الأزهري عن المنذري. قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق المخرمي حدثنا سعيد بن محمد الجرمي حدثنا أبو تميلة بإسناده، قال الأزهري قوله: «عيلًا» من قولك علت الضالة أعيل عَيْلا وعَيَلا إذا لم تدر أي جهة تبغيها. قال أبو زيد: كأنه لم يهتد لمن يطلب علمه فعرضه على من لا يريده. قال أبو داود: حدثنا محمد بن سليمان المصيصي لوين حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة وهشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرًا في المسجد فيقوم عليه يهجو من قال في رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن روح القدس مع حسان ما نافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم». قال الشيخ: قوله: «ما نافح» معناه دافع، ومن هذا قولهم نفحت الرجل بالسيف إذا تناولته من بعد ونفحته الدابة إذا أصابته بحد حافرها.
|